الرئيسية
أزمة ثقافة دينية
لما سأل الله تعالى الملائكة بقوله (أنبؤني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) لم تقل الملائكة : نحن قريبون من الله تعالى ونحن سنجتهد في بيان الأسماء أو كيف يليق بنا أن نقول : لا نعرف؟ كلا، فما ينبغي لملائكة الله تعالى تلك الاحتمالات الخاطئة، وإنما قالوا بصوت واحد : (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) صدقا وصراحة، وتواضعا وطاعة لرب العالمين. لا علم لنا إلا ما علمتنا، لا يمكن أن نجتهد فيما لا نعلم ولا يمكن أن نبني على وهم أو توقع أو تحليل ذهني أو قياس خاطىء .. أو هوى نفس فما ذلك من نهج عباد الله الصالحين القانتين.
وعلى ذلك تربى تلاميذ وأصحاب نبي الهدى خاتم الرسل محمد (صلى الله عليه وسلم) وورث عنهم اتباعهم المتقون الورعون الصادقون على مر العصور . فقد جاءت السنة النبوية مفسرة مبينة لما ورد في كتاب الله تعالى، روى مسلم ـ رحمه الله تعالى ـ عن أبي عقيل يحيى بن المتوكل صاحب بهية قال: كنت جالسا عند القاسم بن عبيد الله ويحيى بن سعيد فقال يحيى للقاسم : يا أبا محمد انه قبيح على مثلك عظيم ان يسأل عن شيء من أمر هذا الدين فلا يوجد عندك منه علم ولا فرج، وعلم لا مخرج فقال له القاسم : وعم ذلك؟ قال لانك ابن امامي هدى: ابن ابي بكر وعمر، قال يقول له القاسم: اقبح من ذاك عند من عقل عن الله ان أقول بغير علم أو أخذ عن غير ثقة فسكت فما اجابه، وقال مالك بن انس : سمعت ابن هرمز يقول: ينبغي للعالم ان يورث جلساءه من بعده (لا أدري) حتى يكون أصلا في أيديهم فاذا سئل أحدهم عما لا يدري قال لا أدري قلت وهل نقص من قدر الملائكة ان قالوا : (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) وهل نقص من قدر الصحابة ان يجيب عدد منهم : لا أدري اسأل غيري في مواضع كثيرة وهل نقص من قدر ومكانة علماء أجلاء سألوا عن مسائل من الفقه والعقيدة فقالوا: لا أعلم سيئا في هذه المسألة، أسأل غيري، سأبحث وآتي بالجواب مستقبلا. إنني اسأل أصحاب العقول وانا أجزم بأن تلك الاجابات وامثالها قد زادت علماءنا في القديم والحديث مكانة وهيبة وجمالا وحبا لدى الناس واسأل الله العظيم أن يرفعهم بها درجات عنده. نقل الإمام القرطبي في تفسيره (الجامع لاحكام القرآن) قال : "وذكر الهيثم بن جميل قال : شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها : لا أدري". أجاب الإمام مالك عن ست عشرة مسألة ولم يجب عن ثنتين وثلاثين يعني ذلك انه أجاب عن الثلث، وقال في الثلثين : لا أدري قال ذلك وهو الإمام الجليل الفقيه المحدث. قلت : أين ذلك ممن زماننا هذا فانني وفي متابعاتي لبرامج الفتاوى الفضائية لم أستمع يوما لشيخ واحد قال في مسألة واحدة : لا أدري، ولأكون منصفا فقد سمعت مرة شيخا يقول : سأبحث المسألة وآتي بالجواب في الحلقة المقبلة، جواب واحد من شيخ واحد. أما غيره فيجيبون عن مائة في المائة من الاسئلة بكل جرأة وشجاعة وثقة في نفوسهم وعلمهم وتحليلهم المسائل ومقاصد الأسئلة وتأويلاتها.
إنها أزمة ثقافة تتكرر في بعض الأزمان والعصور. فقد وقعت قبل سبعة قرون وذكرها الإمام القرطبي في تفسيره عند تعليقه على تفسير قول الله تعالى : (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) وما أروع ما قال، يقول ـ رحمه الله ـ قلت : هذا في زمن مالك فكيف في زماننا اليوم الذي عم فيه الفساد وكثر فيه الطغام أو طلب وفيه العلم للرياسة لا للدراية بل للظهور في الدنيا وغلبة الأقران بالمراء والجدال الذي يقسي القلب ويورث الضغن ما يحمل على عدم التقوى وترك الخوف من الله تعالى. اين هذا مما روي عن عمر رضي الله عنه وقد قال : لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية ولو كانت بنت ذي العصبة يعني يزيد بن الحصين الحارثي، فمن زاد القيت زيادته في بيت المال فقامت امرأة من صوب النساء طويلة فقالت : ما ذلك لك قال : ولم قالت لان الله عز وجل يقول : (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) فقال عمر امرأة أصابت ورجل أخطأ. قلت : وما أشبه اليوم بالبارحة فان بعض المفتين يزعم ان المنصب يزكيه أو ان الشهادة تؤهله للفتوى وبعضهم لمجرد انه ابن الشيخ فلان أعطى لنفسه الحق المطلق في الافتاء في بعض وسائل الإعلام والجزم بان ما يقوله هو الحق الذي لا مرية فيه، فتاوى غريبة وآراء شاذة وجرأة غير مسبوقة وغوص في مسائل كأني تحرج منها كبار الفقهاء والائمة فيأتي رجل أخذ شهادة (ربما بانتساب) ليفتي ويحلل ويحرم معتمدا على ثقة في النفس فيضل ويضل.. وانا أهمس في أذن ذلك الأخ ان المنصب سيزول والشهادة لا قيمة لها والمشجعون من محبي الرخص سينتهون ثم يقف أمام ربه عاريا حافيا ويسأل عما قال فهل سيعد للسؤال جوابا وبأي حال سيلقى ربه ـ عز وجل ـ وقد ورط الناس فيما لا يحل وبسبب فتواه أجرموا في حق أنفسهم وحقوق الناس.
أيتها القنوات الفضائية ما كل بيضاء شحمة فانظروا عمن تأخذون سمعتكم وتميزكم وشهرتكم، ويا أيها المفتون مهلا فان ما وصل اليه الصحابة والتابعون وأئمة الفقه والعقيدة منزلة كبيرة ورفيعة دونها خرط القتاد وسهر الليالي ومكابدة الحفظ وثني الركب في المساجد وقيام الليل فمهلا على أنفسكم ورفقا بالناس فما الآراء في الصناعة والزراعة وتصميم (الديكور) وهندسة النظم والعمران والطب ما كل ذلك مثل التحليل والتحريم في دين الله لاننا يمكن ان نجد مهندسا ومزارا وطبيبا وتاجرا كل منهم ناجح نجاحا باهرا وعمره لا يتجاوز العشرين عاما أو قريبا منها وليس مثل ذلك أو قريب عالم في الشريعة يحق له الافتاء
منقوووووووووول
لما سأل الله تعالى الملائكة بقوله (أنبؤني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) لم تقل الملائكة : نحن قريبون من الله تعالى ونحن سنجتهد في بيان الأسماء أو كيف يليق بنا أن نقول : لا نعرف؟ كلا، فما ينبغي لملائكة الله تعالى تلك الاحتمالات الخاطئة، وإنما قالوا بصوت واحد : (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم) صدقا وصراحة، وتواضعا وطاعة لرب العالمين. لا علم لنا إلا ما علمتنا، لا يمكن أن نجتهد فيما لا نعلم ولا يمكن أن نبني على وهم أو توقع أو تحليل ذهني أو قياس خاطىء .. أو هوى نفس فما ذلك من نهج عباد الله الصالحين القانتين.
وعلى ذلك تربى تلاميذ وأصحاب نبي الهدى خاتم الرسل محمد (صلى الله عليه وسلم) وورث عنهم اتباعهم المتقون الورعون الصادقون على مر العصور . فقد جاءت السنة النبوية مفسرة مبينة لما ورد في كتاب الله تعالى، روى مسلم ـ رحمه الله تعالى ـ عن أبي عقيل يحيى بن المتوكل صاحب بهية قال: كنت جالسا عند القاسم بن عبيد الله ويحيى بن سعيد فقال يحيى للقاسم : يا أبا محمد انه قبيح على مثلك عظيم ان يسأل عن شيء من أمر هذا الدين فلا يوجد عندك منه علم ولا فرج، وعلم لا مخرج فقال له القاسم : وعم ذلك؟ قال لانك ابن امامي هدى: ابن ابي بكر وعمر، قال يقول له القاسم: اقبح من ذاك عند من عقل عن الله ان أقول بغير علم أو أخذ عن غير ثقة فسكت فما اجابه، وقال مالك بن انس : سمعت ابن هرمز يقول: ينبغي للعالم ان يورث جلساءه من بعده (لا أدري) حتى يكون أصلا في أيديهم فاذا سئل أحدهم عما لا يدري قال لا أدري قلت وهل نقص من قدر الملائكة ان قالوا : (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) وهل نقص من قدر الصحابة ان يجيب عدد منهم : لا أدري اسأل غيري في مواضع كثيرة وهل نقص من قدر ومكانة علماء أجلاء سألوا عن مسائل من الفقه والعقيدة فقالوا: لا أعلم سيئا في هذه المسألة، أسأل غيري، سأبحث وآتي بالجواب مستقبلا. إنني اسأل أصحاب العقول وانا أجزم بأن تلك الاجابات وامثالها قد زادت علماءنا في القديم والحديث مكانة وهيبة وجمالا وحبا لدى الناس واسأل الله العظيم أن يرفعهم بها درجات عنده. نقل الإمام القرطبي في تفسيره (الجامع لاحكام القرآن) قال : "وذكر الهيثم بن جميل قال : شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها : لا أدري". أجاب الإمام مالك عن ست عشرة مسألة ولم يجب عن ثنتين وثلاثين يعني ذلك انه أجاب عن الثلث، وقال في الثلثين : لا أدري قال ذلك وهو الإمام الجليل الفقيه المحدث. قلت : أين ذلك ممن زماننا هذا فانني وفي متابعاتي لبرامج الفتاوى الفضائية لم أستمع يوما لشيخ واحد قال في مسألة واحدة : لا أدري، ولأكون منصفا فقد سمعت مرة شيخا يقول : سأبحث المسألة وآتي بالجواب في الحلقة المقبلة، جواب واحد من شيخ واحد. أما غيره فيجيبون عن مائة في المائة من الاسئلة بكل جرأة وشجاعة وثقة في نفوسهم وعلمهم وتحليلهم المسائل ومقاصد الأسئلة وتأويلاتها.
إنها أزمة ثقافة تتكرر في بعض الأزمان والعصور. فقد وقعت قبل سبعة قرون وذكرها الإمام القرطبي في تفسيره عند تعليقه على تفسير قول الله تعالى : (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا) وما أروع ما قال، يقول ـ رحمه الله ـ قلت : هذا في زمن مالك فكيف في زماننا اليوم الذي عم فيه الفساد وكثر فيه الطغام أو طلب وفيه العلم للرياسة لا للدراية بل للظهور في الدنيا وغلبة الأقران بالمراء والجدال الذي يقسي القلب ويورث الضغن ما يحمل على عدم التقوى وترك الخوف من الله تعالى. اين هذا مما روي عن عمر رضي الله عنه وقد قال : لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية ولو كانت بنت ذي العصبة يعني يزيد بن الحصين الحارثي، فمن زاد القيت زيادته في بيت المال فقامت امرأة من صوب النساء طويلة فقالت : ما ذلك لك قال : ولم قالت لان الله عز وجل يقول : (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) فقال عمر امرأة أصابت ورجل أخطأ. قلت : وما أشبه اليوم بالبارحة فان بعض المفتين يزعم ان المنصب يزكيه أو ان الشهادة تؤهله للفتوى وبعضهم لمجرد انه ابن الشيخ فلان أعطى لنفسه الحق المطلق في الافتاء في بعض وسائل الإعلام والجزم بان ما يقوله هو الحق الذي لا مرية فيه، فتاوى غريبة وآراء شاذة وجرأة غير مسبوقة وغوص في مسائل كأني تحرج منها كبار الفقهاء والائمة فيأتي رجل أخذ شهادة (ربما بانتساب) ليفتي ويحلل ويحرم معتمدا على ثقة في النفس فيضل ويضل.. وانا أهمس في أذن ذلك الأخ ان المنصب سيزول والشهادة لا قيمة لها والمشجعون من محبي الرخص سينتهون ثم يقف أمام ربه عاريا حافيا ويسأل عما قال فهل سيعد للسؤال جوابا وبأي حال سيلقى ربه ـ عز وجل ـ وقد ورط الناس فيما لا يحل وبسبب فتواه أجرموا في حق أنفسهم وحقوق الناس.
أيتها القنوات الفضائية ما كل بيضاء شحمة فانظروا عمن تأخذون سمعتكم وتميزكم وشهرتكم، ويا أيها المفتون مهلا فان ما وصل اليه الصحابة والتابعون وأئمة الفقه والعقيدة منزلة كبيرة ورفيعة دونها خرط القتاد وسهر الليالي ومكابدة الحفظ وثني الركب في المساجد وقيام الليل فمهلا على أنفسكم ورفقا بالناس فما الآراء في الصناعة والزراعة وتصميم (الديكور) وهندسة النظم والعمران والطب ما كل ذلك مثل التحليل والتحريم في دين الله لاننا يمكن ان نجد مهندسا ومزارا وطبيبا وتاجرا كل منهم ناجح نجاحا باهرا وعمره لا يتجاوز العشرين عاما أو قريبا منها وليس مثل ذلك أو قريب عالم في الشريعة يحق له الافتاء
منقوووووووووول