يمكن تصوير واقع سوق العمل، بشكل سريع ومكثف، من خلال المعلومات الرقمية الآتية: - معدل البطالة العام: 9.8 % - معدل بطالة الذكور: 6.9 % - معدل بطالة الإناث: 24.9 %
- عدد المتعطلين السعوديين: 400.19
- عدد المتعطلين (الذكور): 236.230
- عدد المتعطلات (الإناث): 163.789
وهذه الأرقام عن البطالة هي بيانات صادرة من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في شهر صفر 1429هـ. من ناحية أخرى، تتكامل الصورة عن واقع سوق العمل السعودي من خلال المعلومات الرقمية الآتية: * عدد التأشيرات الموافق عليها عام (2007م): - منشآت القطاع الخاص 1.207.718 - العمالة المنزلية 445.106 - القطاع الحكومي 51.935 - الإجمالي 1.704.759
- العاملون الأجانب (2007م):
- القطاع الخاص 4.908.899
- العمالة المنزلية 1.021.438
- القطاع الحكومي 186.594
- إجمالي العمالة الوافدة 6.116.931
- المرافقون 2.438.307
- إجمالي العاملين والمرافقين 8.555.238
هذه البيانات تشير إلى التناقض الصارخ الذي يشهده سوق العمل في المملكة، ففي حين يرتفع معدل البطالة إلى 9.8 في المائة بين السعوديين نجد أن العمالة الوافدة تربو على ستة ملايين! يضاف إلى ما تقدم حقائق أخرى محبطة مثل: - أن القطاع الخاص يفضل العمالة الأجنبية على العمالة المحلية (لأسباب منطقية من وجهة نظر القطاع الخاص). - أن المواطنين لا يفضلون العمل لدى القطاع الخاص ويحبذون العمل في القطاع الحكومي (أيضا لأسباب منطقية ولكن من وجهة نظر المواطنين). - أن القطاع الحكومي لم يعد قادراً على توظيف مزيد من السعوديين. أن وزارة العمل التي تعمل في ظل هذه الأجواء المتناقضة المحبطة، مطلوب منها أن تفك رموز هذه الألغاز وتقود المجتمع إلى بر الأمان وأن يحدث ذلك بسرعة وبلا تضحيات ودون آلام! هذا الواقع الغريب لم يتشكل فجأة, وإنما بالتدريج. وإذا كان هذا الواقع لا يبدو منطقياً ولا معقولاً فإن العودة إلى جذور المشكلة ودراسة الأسباب التي أدت إليها تجعلنا نشك في أننا كنا سننتهي إلى غير ما انتهينا إليه حتى لو بدا لنا ذلك للوهلة الأولى غير منطقي وغير معقول. إن جذور المشكلة تعود إلى التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي مر بها المجتمع السعودي منذ منتصف السبعينيات الميلادية من القرن الماضي. ويمكن فهم الأمر على النحو الآتي: - أدت الطفرة الاقتصادية التي اجتاحت البلاد في السبعينيات الميلادية إلى إقامة مشروعات تنموية كبرى لم تكن البلاد تملك من الناحية الكمية والنوعية والكوادر البشرية التي يمكن أن تقيم وتشغل هذه المشروعات .. فاضطرت إلى استقدام عمالة وافدة للقيام بهذه المهمة. - كان الاعتقاد هو أن هذه العمالة ستكون مؤقتة, وبمجرد أن تقام المشروعات التنموية تعود العمالة الوافدة إلى بلادها .. لكن ذلك لم يحدث. - كانت الحكومة تحتاج إلى مزيد من الكوادر البشرية الوطنية للعمل في القطاع الحكومي بدلاً من الموظفين العرب والأجانب. وقد بدأ خريجو الجامعات والمعاهد في كافة التخصصات بالتدفق إلى الأجهزة الحكومية, واستوعبتهم هذه الأجهزة بغض النظر عن التخصص وبذلك تم تكريس الاعتمادية على العمل الحكومي. - بدأ القطاع الخاص بالتوسع, ولجأ إلى استقدام العمالة الوافدة الرخيصة الأجر لسد الفجوة بين العرض المتاح والطلب. وكنتيجة لذلك قامت أنشطة اقتصادية هامشية لا تضيف قيمة حقيقية للاقتصاد, وأنشطة لا تملك فيها البلاد أي ميزة نسبية. - حدث تشوه كبير في سوق العمل, وتعطلت قوى العرض والطلب حيث صار الطلب يتم تلبيته بالعرض المتاح من الخارج عن طريق الاستقدام, وكنتيجة لذلك لم يعد الأجر التعادلي في سوق العمل السعودي يعكس الندرة الاقتصادية وإنما يعكس حقيقة أن أرباب العمل يستقدمون كما يشاءون من العمالة وبأجور زهيدة .. فقام التي لم تكن تمتلك مقومات حقيقية من الناحية الاقتصادية مزيد من الأنشطة الاقتصادية سوى قدرة أصحابها على استقدام عمالة وافدة رخيصة. - بدأت الأنشطة الطفيلية تتكاثر لدرجة أن بعض السعوديين ممن يصنفون أنفسهم على أنهم رجال أعمال لم يكن عملهم الحقيقي سوى استقدام عمالة أجنبية تعمل لحسابها الخاص وتعطي "رجل الأعمال" السعودي مبلغاً متفقاً عليةه من المال على شكل إتاوة شهرية. - نشأت من جراء ذلك مفاهيم غريبة في العمل التجاري والاقتصادي تقوم على الكسب السريع دون جهد حقيقي وأصبحت "التجارة" لدى البعض شطارة وفهلوة وليس عملاً مدروساً وفق جدوى اقتصادية وإنتاجية. - وسط هذه الأجواء لم يكن بوسع الشاب السعودي الراغب في العمل أن يقبل بالعمل في القطاع الخاص. فالأجر منخفض, والجهد المطلوب كبير (بعض العمال الوافدين يعمل منذ الصباح الباكر حنى منتصف الليل سبعة أيام في الأسبوع !!). - ولأن القطاع الحكومي قد بدأ يتشبع بالموظفين فإنه فقد قدرته على استيعاب مزيد من السعوديين .. وبهذا أصبح القطاع الخاص هو المرشح لاستيعاب السعوديين .. لكن القطاع الخاص بخصائصه القائمة التي صارت مشوهة، لا يمكنه اجتذاب السعوديين. - في هذه الأثناء بدأت "قيم الطفرة" تظهر بالتدريج .. فلم يعد الاستقدام مقتصراً على المنشآت والأعمال التجارية وإنما أصبحت الأسر أيضا تستقدم العمالة الوافدة بشكل مفرط على هيئة خدم وسائقين بغض النظر عن الحاجة الفعلية في كثير من الأحيان. - بدأت الآثار السلبية للحياة الناعمة في الظهور .. فوجود الخدم في جميع البيوت تقريباً .. ووجود السائقين الخاصين أفرزا أجيالاً تعودت على أن تُخدَم لا أن تخدمُ, فاختفت قيم العمل الإيجابية, وانخفضت إنتاجية الفرد السعودي الذي تعود على العمل في القطاع الحكومي الذي يُنظر إليه على أنه بمثابة ضمان اجتماعي أكثر مما هو بيئة إنتاج حقيقية. - بدأت تترسخ النظرية الدونية إلى كثير من المهن والأعمال.. وطفت "ثقافة العيب" وانتشرت بين جميع الأوساط, فأصبح الفرد السعودي يفضل البطالة على العمل اليدوي حتى لو كان تأهيله العلمي لا يتجاوز الابتدائية وحتى ولو كانت خبرته العملية معدومة. - أصبح معظم الشباب الباحث عن العمل لا يريد إلا وظيفة إدارية وعملا مكتبيا حتى لو كان تخصصه مهنياً أو فنياً. فالشهادة – في نظر كثيرين – ليست إلا جواز سفر إلى وظيفة مكتبية بغض النظر عن الدراسة السابقة والتخصص. - صارت "المرجعية" لدى القطاع الخاص في تحديد أجر السعودي هي الأجر الذي يتقاضاه الأجنبي .. فالمقارنة هي دائماً بين الأجر المنخفض الذي يقبل به الأجنبي الصبور المنتج والأجر الباهظ الذي يطلبه السعودي "المتعجل الكسول" .. وذلك من وجهة نظر القطاع الخاص. -بالنسبة لكثير من الشباب السعودي فإن القطاع الخاص هو قطاع استغلالي, وبيئة طاردة .. ويعتقد هؤلاء الشباب أن وجودهم غير مرحب به في هذا القطاع .. وأنهم مفروضون من قبل الدولة على القطاع الخاص ليس أكثر وذلك من خلال سياسة إلزامية بالسعودة. - يضاف إلى هذا أنه ثبت بالدليل القاطع (أي من خلال سوق العمل) أن جودة التعليم ليست بالمستوى المطلوب .. فمخرجات التعليم غير ملائمة لاحتياجات سوق العمل سواء من حيث الكيف أو الكم. لقد وجدت وزارة العمل نفسها مسئولة عن إصلاح كل هذه الخلل .. فهي من وجهة نظر الجميع مسئولة عن "البطالة" .. وحتى عندما تظهر صورة في إحدى الصحف للمئات من الشباب الذين يتجمهرون أمام جهاز حكومي عسكري بملفاتهم الخضراء للفوز بوظيفة جندي فإن التعليق على الصورة يكون موجهاً لوزارة العمل وليس لأي جهة أخرى مع أن بعض حملة الملفات الخضراء يكونون موظفين في القطاع الخاص (أي غير عاطلين) ولكنهم يريدون وظيفة حكومية حتى لو براتب أقل من الراتب الذي يحصلون عليه حالياً من وظيفتهم في القطاع الخاص! ووجدت الوزارة نفسها مسؤولة عن ضعف النظام التعليمي وهشاشته. ومسؤولة عن الترهل الاجتماعي والعادات والتقاليد التي تحتقر كثيرا من الأعمال والمهن .. ومسؤولة عن الليونة والرخاوة لدى كثير من شبابنا الذي تعود أن يقدم له الآخرون الخدمة لا أن يخدمهم. إن مكافحة البطالة في جميع أنحاء العالم هي مسؤولية الجميع وليست مسؤولية وزارة العمل وحدها، فالبطالة في الدول الأخرى، تتم مكافحتها عن طريق السياسات المالية والنقدية للدولة .. وعن طريق إصلاح النظام التعليمي .. وتكاتف فعاليات المجتمع لزيادة وعي الناس بأهمية قيم العمل الإيجابية .. وأهمية أن يكون الإنسان منتجاً.
وزارة العمل في مواجهة الجميع: وهكذا وجدت وزارة العمل نفسها وسط متناقضات لا نهاية لها: - فالقطاع الخاص يرى أن الوزارة عقبة رئيسية تواجه النمو الاقتصادي لأنها لا تسمح لهذا القطاع أن يستقدم من العمالة كما يشاء ومتى يشاء وبالقدر الذي يريد! - العاطلون عن العمل يرون أن الوزارة غير مهتمة وتجامل القطاع الخاص فتركت أبناء وبنات البلد نهباً للبطالة بينما يسرح ويمرح في بلادنا الملايين من العمالة الوافدة! - المفكرون والمصلحون يرون أن الوزارة أغرقت البلاد والعباد بملايين العمالة الوافدة، فصار أبناؤنا وبناتنا يتحدثون لغة عربية مكسرة بسبب وجود الخدم في البيوت .. وأصبحنا مخترقين ثقافياً وأمنياً. - ربات البيوت يرين أن الوزارة تقتر عليهن باستقدام ما يردن استقدامه من الخدم والسائقين .. ولا يفهمون لماذا تحشر الوزارة أنفها في هذا الأمر الذي لا يؤثر في السعودة، خصوصاً إذا كانت الأسرة مقتدرة مالياً .. فماذا يهم الوزارة في أن تستقدم مثل هذه الأسرة أي عدد من الخدم والسائقين حتى لو كانوا مائة أو مائتين؟! إن أي قارئ للصحافة السعودية يمكنه ملاحظة العدد الكبير من المقالات والتقارير التي تنشرها هذه الصحافة يومياً والتي تحمل نقداً شديداً للوزارة بسبب الشيء ونقيضه! فأي سياسة تتخذها الوزارة لا بد أن تجر عليها كثيرا من النقد لأنها ستصطدم بمصلحة أحد أطراف العملية الإنتاجية (أو غير الإنتاجية).. ومن الغريب أن الكاتب الواحد يتناقض مع نفسه من شهر لآخر ومن مقال لآخر حسب اللحظة الكتابية والمزاجية!! ما الحل.. وماذا يريد المجتمع؟ إن السؤال الذي يطرح نفسه في اجتماعات مسؤولي الوزارة بشكل مستمر هو: ماذا يريد المجتمع بالضبط؟! هل الأولوية هي مكافحة البطالة قبل أي شيء آخر لكيلا يضيع شباب البلد؟ أم هل الأولوية هي تسهيل الاستقدام وتلبية طلب من يريدون الاستقدام لكيلا تتعطل التنمية الاقتصادية المادية؟ هل المجتمع حريص حقاً على حماية ثقافته وأمنه الاجتماعي من تهديد العمالة الوافدة عبر الاختلال السكاني الرهيب وطغيان أعداد هذه العمالة في المجتمع وفي سوق العمل .. أم أنه حريص على استقدام كل ما يريده من خدم وسائقين وحراس وعمال بغض النظر عن أي سلبيات ستطول المجتمع بشكل عام؟ هل الشباب يبحث عن عمل حقيقي يكدح من خلاله وينتج أم أنه يريد ضماناً اجتماعياً ودخلاً مالياً بلا إنتاجية؟ هل المجتمع السعودي يريد "السعودة" حقاً أم أنها مجرد مطلب مثالي (رومانسي) يتم التخلي عنه عند أول عقبة؟ إن هذه الأسئلة ما هي إلا انعكاس للتناقضات الاجتماعية التي أفرزتها التغيرات التي حدثت في البلاد منذ منتصف السبعينيات الميلادية، فالمجتمع السعودي يبدو في حيرة من أمره، وليس بقادر على حسم هذه التناقضات! وإذن، كيف نعثر على الحل السحري لقضايا العمل طالما أن المطلوب تقديم حل سريع ومريح ولا يتطلب أي تضحيات و آلام؟ أن الحل الحقيقي لن يكون سوى إصلاح سوق العمل والقضاء على التشوهات التي تعطل آلياته. وإصلاح سوق العمل يبدأ "بترشيد" الاستقدام .. ويجب أن يفهم أن ترشيد الاستقدام لا يعني "إيقاف" الاستقدام وإنما يعني أن يكون الاستقدام بقدر الحاجة وبما لا يحرم المواطن السعودي من الحصول على فرصة العمل بدلاً من المزاحمة الجائرة والمنافسة غير المتكافئة التي أوجدتها الوفرة الكبيرة في العمالة الوافدة. ومع الترشيد يجب أن يتزامن إصلاح التعليم والتدريب لكي تكون مخرجات المؤسسات التعليمية والتدريبية ملائمة لسوق العمل. كما يتطلب أن تقوم كل الجهات الأخرى بأدوارها وأولاها الأسرة والمدرسة ومروراً بكل الفعاليات الرسمية والأهلية في البلاد. أما فيما يتعلق بوزارة العمل فهي لن تقبل أن يدفعها أحد إلى أن تتحول من "وزارة عمل" إلى "وزارة استقدام". فنحن في وزارة العمل ندرك أن وظيفتنا الأولى هي مساعدة المواطنين على العمل والتوظيف .. وتأتي بعد ذلك الأدوار الأخرى المكملة ومنها الاستقدام. ونحن نتطلع إلى أن نجد من القطاع الخاص تفاعلاً أكبر لاستيعاب مواطنينا وتوظيفهم. وفي المقابل فإن الوزارة تضع جميع خدماتها لمساعدة المواطنين الذين يبحثون عن العمل. فنحن نستقبل طالبي العمل، ونسأل كل واحد منهم إن كان مؤهلاً ومتدرباً، فإذا كان لديه التأهيل والتدريب الكافي قدمنا له وظيفة تتناسب مع تأهيله وتدريبه. وإذا كان غير ذلك نقدم له مجاناً التدريب المناسب، ونمنحه مكافأة أثناء التدريب، ونسجله في التأمينات الاجتماعية منذ اليوم الأول لتدريبه، ونقدم دعماً مالياً يغطي جزءاً من راتبه عن طريق صندوق الموارد البشرية. ولكننا مقابل ذلك نوصي هذا المواطن بالآتي: 1 – التزام الجدية والانضباط. فالقطاع الخاص قطاع ربحي ولا يمكنه أن يبقي لديه موظفاً تقل إنتاجيته عن أجره. 2 – لا بد أن يخطو الموظف سلم الحياة الوظيفية خطوة خطوة، فالراتب قد لا يكون في البداية بمستوى الطموح وظروف العمل ليست بالضرورة هي الظروف التي يتمناها الموظف. لكن ذلك كله يتعدل بمرور الوقت. فالموظف الجيد عملة نادرة يحافظ عليها القطاع الخاص الذي هو ملزم بالسعودة حسب النظام وما دام الأمر كذلك فهو يدرك أن الأفضل له هو أن يحافظ على موظفيه الجيدين. أخيراً.. أود التذكير أن معدل البطالة يتعلق بالاقتصاد الوطني ككل وليس بالقطاع الخاص فقط. ومسؤولية وزارة العمل تنحصر في القطاع الخاص، ومن ثم فإن المواطن الذي لا يريد أن يعمل في القطاع الخاص ويفضل البطالة على ذلك بانتظار الوظيفة الحكومية لا يمكننا مساعدته على الرغم من أن كل حديث عن معدلات البطالة في وسائل الإعلام غالباً ما يوضع في سياق ينتهي إلى أن معالجة هذه البطالة هي مسؤولية وزارة العمل وحدها .. وهذا قد لا يكون موجوداً في أي مكان آخر من العالم.
وزارة العمل في مواجهة الجميع: وهكذا وجدت وزارة العمل نفسها وسط متناقضات لا نهاية لها: - فالقطاع الخاص يرى أن الوزارة عقبة رئيسية تواجه النمو الاقتصادي لأنها لا تسمح لهذا القطاع أن يستقدم من العمالة كما يشاء ومتى يشاء وبالقدر الذي يريد! - العاطلون عن العمل يرون أن الوزارة غير مهتمة وتجامل القطاع الخاص فتركت أبناء وبنات البلد نهباً للبطالة بينما يسرح ويمرح في بلادنا الملايين من العمالة الوافدة! - المفكرون والمصلحون يرون أن الوزارة أغرقت البلاد والعباد بملايين العمالة الوافدة، فصار أبناؤنا وبناتنا يتحدثون لغة عربية مكسرة بسبب وجود الخدم في البيوت .. وأصبحنا مخترقين ثقافياً وأمنياً. - ربات البيوت يرين أن الوزارة تقتر عليهن باستقدام ما يردن استقدامه من الخدم والسائقين .. ولا يفهمون لماذا تحشر الوزارة أنفها في هذا الأمر الذي لا يؤثر في السعودة، خصوصاً إذا كانت الأسرة مقتدرة مالياً .. فماذا يهم الوزارة في أن تستقدم مثل هذه الأسرة أي عدد من الخدم والسائقين حتى لو كانوا مائة أو مائتين؟! إن أي قارئ للصحافة السعودية يمكنه ملاحظة العدد الكبير من المقالات والتقارير التي تنشرها هذه الصحافة يومياً والتي تحمل نقداً شديداً للوزارة بسبب الشيء ونقيضه! فأي سياسة تتخذها الوزارة لا بد أن تجر عليها كثيرا من النقد لأنها ستصطدم بمصلحة أحد أطراف العملية الإنتاجية (أو غير الإنتاجية).. ومن الغريب أن الكاتب الواحد يتناقض مع نفسه من شهر لآخر ومن مقال لآخر حسب اللحظة الكتابية والمزاجية!! ما الحل.. وماذا يريد المجتمع؟ إن السؤال الذي يطرح نفسه في اجتماعات مسؤولي الوزارة بشكل مستمر هو: ماذا يريد المجتمع بالضبط؟! هل الأولوية هي مكافحة البطالة قبل أي شيء آخر لكيلا يضيع شباب البلد؟ أم هل الأولوية هي تسهيل الاستقدام وتلبية طلب من يريدون الاستقدام لكيلا تتعطل التنمية الاقتصادية المادية؟ هل المجتمع حريص حقاً على حماية ثقافته وأمنه الاجتماعي من تهديد العمالة الوافدة عبر الاختلال السكاني الرهيب وطغيان أعداد هذه العمالة في المجتمع وفي سوق العمل .. أم أنه حريص على استقدام كل ما يريده من خدم وسائقين وحراس وعمال بغض النظر عن أي سلبيات ستطول المجتمع بشكل عام؟ هل الشباب يبحث عن عمل حقيقي يكدح من خلاله وينتج أم أنه يريد ضماناً اجتماعياً ودخلاً مالياً بلا إنتاجية؟ هل المجتمع السعودي يريد "السعودة" حقاً أم أنها مجرد مطلب مثالي (رومانسي) يتم التخلي عنه عند أول عقبة؟ إن هذه الأسئلة ما هي إلا انعكاس للتناقضات الاجتماعية التي أفرزتها التغيرات التي حدثت في البلاد منذ منتصف السبعينيات الميلادية، فالمجتمع السعودي يبدو في حيرة من أمره، وليس بقادر على حسم هذه التناقضات! وإذن، كيف نعثر على الحل السحري لقضايا العمل طالما أن المطلوب تقديم حل سريع ومريح ولا يتطلب أي تضحيات و آلام؟ أن الحل الحقيقي لن يكون سوى إصلاح سوق العمل والقضاء على التشوهات التي تعطل آلياته. وإصلاح سوق العمل يبدأ "بترشيد" الاستقدام .. ويجب أن يفهم أن ترشيد الاستقدام لا يعني "إيقاف" الاستقدام وإنما يعني أن يكون الاستقدام بقدر الحاجة وبما لا يحرم المواطن السعودي من الحصول على فرصة العمل بدلاً من المزاحمة الجائرة والمنافسة غير المتكافئة التي أوجدتها الوفرة الكبيرة في العمالة الوافدة. ومع الترشيد يجب أن يتزامن إصلاح التعليم والتدريب لكي تكون مخرجات المؤسسات التعليمية والتدريبية ملائمة لسوق العمل. كما يتطلب أن تقوم كل الجهات الأخرى بأدوارها وأولاها الأسرة والمدرسة ومروراً بكل الفعاليات الرسمية والأهلية في البلاد. أما فيما يتعلق بوزارة العمل فهي لن تقبل أن يدفعها أحد إلى أن تتحول من "وزارة عمل" إلى "وزارة استقدام". فنحن في وزارة العمل ندرك أن وظيفتنا الأولى هي مساعدة المواطنين على العمل والتوظيف .. وتأتي بعد ذلك الأدوار الأخرى المكملة ومنها الاستقدام. ونحن نتطلع إلى أن نجد من القطاع الخاص تفاعلاً أكبر لاستيعاب مواطنينا وتوظيفهم. وفي المقابل فإن الوزارة تضع جميع خدماتها لمساعدة المواطنين الذين يبحثون عن العمل. فنحن نستقبل طالبي العمل، ونسأل كل واحد منهم إن كان مؤهلاً ومتدرباً، فإذا كان لديه التأهيل والتدريب الكافي قدمنا له وظيفة تتناسب مع تأهيله وتدريبه. وإذا كان غير ذلك نقدم له مجاناً التدريب المناسب، ونمنحه مكافأة أثناء التدريب، ونسجله في التأمينات الاجتماعية منذ اليوم الأول لتدريبه، ونقدم دعماً مالياً يغطي جزءاً من راتبه عن طريق صندوق الموارد البشرية. ولكننا مقابل ذلك نوصي هذا المواطن بالآتي: 1 – التزام الجدية والانضباط. فالقطاع الخاص قطاع ربحي ولا يمكنه أن يبقي لديه موظفاً تقل إنتاجيته عن أجره. 2 – لا بد أن يخطو الموظف سلم الحياة الوظيفية خطوة خطوة، فالراتب قد لا يكون في البداية بمستوى الطموح وظروف العمل ليست بالضرورة هي الظروف التي يتمناها الموظف. لكن ذلك كله يتعدل بمرور الوقت. فالموظف الجيد عملة نادرة يحافظ عليها القطاع الخاص الذي هو ملزم بالسعودة حسب النظام وما دام الأمر كذلك فهو يدرك أن الأفضل له هو أن يحافظ على موظفيه الجيدين. أخيراً.. أود التذكير أن معدل البطالة يتعلق بالاقتصاد الوطني ككل وليس بالقطاع الخاص فقط. ومسؤولية وزارة العمل تنحصر في القطاع الخاص، ومن ثم فإن المواطن الذي لا يريد أن يعمل في القطاع الخاص ويفضل البطالة على ذلك بانتظار الوظيفة الحكومية لا يمكننا مساعدته على الرغم من أن كل حديث عن معدلات البطالة في وسائل الإعلام غالباً ما يوضع في سياق ينتهي إلى أن معالجة هذه البطالة هي مسؤولية وزارة العمل وحدها .. وهذا قد لا يكون موجوداً في أي مكان آخر من العالم.
نائب وزير العمل المملكة العربية السعودية